في إستشراف للمستقبل قل نظيره، وفي وضوح سياسي إستثنائي، نجح الامام الخميني (رض)، من خلال إعلانه آخر جمعة من شهر رمضان المبارك، يوما عالميا للقدس، في ربط مستقبل العرب والمسلمين بمستقبل القدس والقضية الفلسطينية، بعد ان جمع بين القدس، أقدس مقدسات المسلمين وقِبلتهم الاولى، وبين شهر مبارك هو شهر رمضان، شهر الله الاكبر، وبين يوم فضيل هو يوم الجمعة، أفضل الأيام عند الله.
هذه الرمزية الطاغية ليوم القدس، والتي تضمنت جميع الجوانب الدينية والتراثية والوجدانية والاجتماعية والسياسية والانسانية في حياة الانسان المسلم، كثفت الارتباط المقدس بين هذا الانسان وبين القدس، قبلته الاولى، فما دامت القدس محتلة، يبقى هذا الانسان أسيرا، ولن يتحرر الا بتحرير مقدساته وفي مقدمتها القدس.
القدس، ليست في قبضة عصابات صهيونية، كما يبدو في الظاهر، بل هي في قبضة الاستكبار العالمي وعلى رأسه أمريكا، الذي يستخدم هذه العصابات لتحقيق مآربه، وفي مقدمتها تشتيت وشرذمة المسلمين، بهدف نهب ثرواتهم وخيراتهم، وصولا الى وأد كل ما من شأنه يعيد مجدهم ودورهم الريادي في العالم، لذلك رأى الامام الخميني (رض) ، ان تحرير القدس هي مسؤولية المسلمين جميعا دون استثناء، فالمحتل يستهدفهم جميعا، من خلال استهداف مقدساتهم، لذلك إنبرى لمهمة شحذ همم المسلمين من خلال إعلان يوم القدس.
أحرار الامة تلقفوا هذا الاعلان، وبنوا عليه وانطلقوا منه، لتأسيس محور المقاومة، على مدى العقود الاربعة الماضية، فكان من نتائج هذا المحور، تحطيم حزب الله لـ”اسطورة الجيش الاسرائيلي الذي لا يقهر”، بعد ان اذل شبب لبنان المقاوم هذا “الجيش” في عام 2000 وعام 2006. كما فرضت فصائل المقاومة في غزة وفي مقدمتها حماس والجهاد الاسلامي على “إسرائيل” معادلة ردع باتت الاخيرة تفكر الف مرة قبل ان تقدم على مغامرة ضد غزة، بل ان المقاومة وفي معركة “سيف القدس” ربطت جميع الجبهات الفلسطينية مع بعض، حتى بات العدوان على القدس عدوانا على غزة. اما العمليات الاستشهادية للفلسطينيين التي ضربت قلب الكيان المزيف، فقد أسقطت جميع المعادلات الامنية لهذا الكيان وفي مقدمته معادلة الجمع بين الاحتلال والأمن.
قائد الثورة الاسلامية سماحة السيد علي خامنئي، أشار في كلمته بمناسبة يوم القدس الى بعض الانتصارات التي حققها محور المقاومة، خلال العقود الماضية، فهي التي “طهرت الجزء اللبناني الـمحتل من رجس وجود الصهاينة، وأخرجت العراق من حلقوم أمريكا، وأنقذت العراق من شر داعش، وزودت بالمدد المدافعين السوريين مقابل مخططاتِ أمريكا. المقاومة تكافح الإرهاب العالمي، وتساعد الشعب المقاوم اليمني في الحرب المفروضة عليه، وتصارع الوجود الغاصب الصهيوني في فلسطين وستُطِيح به بتوفيق الله تعالى، وبجهودها وجهادها تجعل مسألةَ القدس وفلسطين بارزة أكثر فأكثر في أوساط الرأي العام العالمي”.
أما سماحة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، فقد أشار في كلمته بمناسبة يوم القدس العالمي الى ثلاثة منجزات كبرى حققتها المقاومة، وساهمت في الابقاء على القدس ، كبوصلة يسير على هديها المجاهدون، وكمحور يلتف حوله المسلمون، وهذه المنجزات هي “سقوط مسارات النسيان والتيئيس والإنهاك” فالشعب الفلسطيني لم ينس، ولم ييأس، ولم يُنهك.. فما دامت القدس محتلة، فكل يوم هو يوم للقدس حتى التحرير.
وحول دور يوم القدس العالمي في إستنهاض المسلمين، اكد قائد حركة “أنصار الله” سماحة السيد عبد الملك الحوثي، في كلمته بمناسبة يوم القدس العالمي، على ان رفع مستوى الوعي يُعدّ اول متطلبات المعركة مع العدو، ومثل هذا الوعي يتجلى في يوم القدس العالمي، الذي اراد الامام الخميني (رض)، من وراء اعلانه إستنهاض المسلمين وتذكيرهم بمسؤوليتهم تجاه فلسطين ومقدساتها، فالمعركة دون وعي لن تفضي للانتصار.