حث معهد “أتلانتيك كاونسيل” الأمريكي العراق على التحرك من أجل التصدي لمشكلة العواصف الرملية التي تشكل تهديدا للحياة في منطقة الهلال الخصيب، من خلال مجموعة من الخطوات، من بينها إعادة تشجير المناطق المتصحرة، والتعلم من تجارب الدول المجاورة بما فيها تركيا.
وحذر التقرير الامريكي من ان العراق كان يشهد عاصفة أو عاصفتين قبل بضعة عقود، خلال السنة الواحدة، لكنه هذا العام تخطى العشرة عواصف رملية خلال الشهرين الماضيين فقط.
وبعد الإشارة إلى تأثير العواصف الرملية على حياة العراقيين اليومية، لفت التقرير الى تأثيرات أكثر خطورة على العراق ككل ، بما في ذلك على النشاط الحكومي والعسكري.
وتابع التقرير؛ أن العواصف هذا العام تسببت بوفيات في جميع أنحاء العراق وظهور أمراض في الجهاز التنفسي بسبب استنشاق الرمال والغبار، حيث جرى نقل أكثر من عشرة آلاف شخص إلى المستشفيات، وتم تسجيل خمس وفيات على الاقل بسبب العواصف الرملية التي اجتاحت العراق، في حين اغلقت أغلقت الحكومة أبوابها أمام العديد من العاملين في الوزارات والمحافظات، وتعرقلت مؤقتا حركة الملاحة الجوية، إذ ينظر الى هذه العواصف على انها “كابوس طيران” لأنها تقلل من قدرة الطيارين، التجاريين والعسكريين، على الرؤية.
وفيما اشار التقرير الى عدم وجود دراسات تظهر التكلفة الاقتصادية للغبار والعواصف الرملية في العراق، الا ان البنك الدولي قام بالدراسة الأكثر شمولا في العام 2019 ، والتي خلصت إلى أن التكلفة الاقتصادية للوفيات المبكرة الناجمة عن الرمال والغبار ارتفعت بنسبة 123٪ بين عامي 1990 و 2013 لتصل إلى 141 مليار دولار.
كما يوضح تقرير البنك الدولي ان العراق عانى خلال العام 2013، من 10.400 حالة وفاة مبكرة بسبب الغبار، مما كلف الاقتصاد ما يقرب من 15 مليار دولار، او 3% من الناتج المحلي الاجمالي لهذا العام. كما تقدر دراسة البنك الدولي الخشار الإضافية الناجمة عن خسارة المحاصيل والإنتاج، بمبلغ 13 مليار دولار، مما يرفع التكلفة الاقتصادية لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا من العواصف الرملية، إلى أكثر من 154 مليار دولار سنويا.
وكانت وزارة البيئة العراقية اعلنت في نيسان / أبريل الماضي، أنه خلال العقدين الماضيين، ازدادت الايام المشوبة بالغبار والعواصف الرملية من 243 إلى 272 يوما في السنة، محذرة من أنه من المتوقع ان تصل الى 300 يوم بالسنة بحلول العام 2050.
واوضح التقرير ان العراق يشهد حاليا عواصف ترابية ورملية خلال جميع فصول السنة بسبب التغير المناخي والجفاف والتصحر وتراجع مخزون المياه.
ومما توصلت إليه الدراسات أن نحو 71 % من الأراضي الزراعية في “الهلال الخصيب” مهددة بالتصحر بسبب تغير المناخ، مما يؤدي الى تقلص الغطاء النباتي وهي الذي يشكل العامل الرئيسي لتثبيت التربة.
وبحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة للعام 2019، فان العراق هو خامس دولة معرضة لخطر التغير المناخي في العالم.
وبالإضافة الى ذلك، انخفضت احتياطيات المياه في العراق بنسبة تزيد عن 50% خلال العام الماضي بسبب انخفاض تساقط المطر وتراجع مستويات المياه في نهري دجلة والفرات، وهما يشكلان 98 % من احتياطيات العراق المائية، فيما من المتوقع جفاف الأنهار بحلول العام 2040 ، ما لم تطبق إجراءات للتعامل مع انخفاض مستويات المياه والتغير المناخي.
وبعدما تساءل التقرير عما يمكن القيام به، دعا بداية الى ان اعادة التاكيد على اهمية قيام العراق بإجراءات عاجلة لمعالجة العوامل التي تساهم في زيادة الغبار والعواصف الرملية، اذ يجب ان تتبنى الحكومة العراقية إصلاحات ثقافية وتشريعية اكثر الماما بالقضية البيئة، من اجل ان يدرك كل مواطن كيف بامكانه المساهمة في إبقاء العراق قابلا للعيش.
ومن بين الحلول المقترحة من “أتلانتيك كاونسيل”، إعادة زراعة الأراضي المتصحرة من خلال تعزيز الزراعة وتشجيع المزارعين على زراعة البساتين والمحاصيل الأخرى في محيط المدن والبلدات والقرى.
وذكر التقرير بأن العراق كان خلال الثمانينيات، موطنا لنحو ثلاثين مليون نخلة، لكن بسبب الإجراءات التي اتخذها النظام البعثي في عهد الدكتاتور العراقي صدام حسين والغزو الفوضوي بعد العام 2003، أصبح هناك في العراق حاليا اقل من 12 مليون نخلة.
وتابع التقرير أنه خلال العام 1995، كان العراق يتمتع بأكثر أنواع التربة انتاجية في العالم، وكانت الزراعة تمثل اكثر من 18٪ من اقتصاد البلاد، في حين انها حاليا تشكل اقل من 2 %.
ولهذا يدعو التقرير الى تعزيز تقنيات الري الحديثة الري بالتنقيط والري بالرش، باعتبار أن هذه التقنيات تقلل بشكل كبير من خسارة المزارعين للمياه.
وبالاضافة إلى ذلك، يقترح التقرير حلولا أخرى من بينها قيام الحكومة العراقية باقامة محميات بيئية تتضمن نباتات وحيوانات مختلفة بعيدا عن المراكز السكانية، موضحا أن هذه المحميات ستكون بمثابة غطاء نباتي أكثر أهمية وتحفز النظم البيئية الجديدة كي تزدهر في العراق.
كما حث التقرير الحكومة العراقية على أن تصادق على قوانين تشريعية تكافح الاستغلال غير القانوني للموارد الطبيعية ، بما في ذلك الرمال المستخدمة في مواد البناء مشيرا إلى أن زحف الرمال يتسبب بزعزعة استقرار الأرض، مما يتيح لموجات الرياح حمل المزيد من الرمال خلال العواصف.
وختم التقرير بالقول ان هذه “الظاهرة التي تهدد الحياة في العراق ليست غير مسبوقة حيث ان الكثير من الدول المجاورة للعراق قد بدأت بالفعل في معالجة خطر تغير المناخ”. ولهذا يدعو التقرير العراق الى الاستفادة من تجارب الإمارات والمملكة السعودية وقطر وتركيا وغيرها، واستغلال الدراسات التي تم نشرها تحديد الأساليب التي قد تكون أكثر فاعلية في معالجة التغير المناخي داخل الحدود العراقية.
ألا أن التقرير يقر بأنه من أجل مكافحة تهديد التغير المناخي بشكل ناجح في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، فان هناك ضرورة من أجل العمل مع كافة الدول المجاورة من أجل إعداد خطة تأخذ في الاعتبار حماية جميع سكان المنطقة، مؤكدا أن العراق لا يمكنه محاربة التغير المناخي بالشكل والتوقيت المناسبين، بمفرده.
وبعد اصبح العراق طرفا في اتفاقية باريس للمناخ، فان الامم المتحدة، حثت المجتمع الدولي على التضامن مع العراق في جهوده من أجل مكافحة التغير المناخي.
وخلص التقرير الى القول انه من خلال بعض الطرق المقترحة والمزيد من الدراسات، فإنه سيكون بمقدور الحكومة العراقية والعراقيين، القيام بالخطوات الضرورية من أجل حماية بلدهم من المناخ المتغير وحماية العراق لصالح الأجيال القادمة.