الشيخ عبد الهادي الدراجي
المذهب التجريبي وتبريره الفلسفي لنظرية المعرفة
محمد باقر الصدر ( مناقشة نظرية المعرفة للمذهب التجريبي )
تحت عنوان مبررات رفض السببية العقلية في كتاب الأسس المنطقية للأستقراء يرى السيد محمد باقر الصدر “قدس” ان تلكم المبررات يمكن تصنيفها ألى مبررات منطقية ، ومبررات فلسفية ، ومبررات علمية ، ومبررات عملية (راجع ص 379) من الكتاب ، وما يهمني هنا في كلام السيد الشهيد محمد باقر الصدر حول الدليل الأستقرائي في مرحلة التوالد الذاتي هو التبرير الفلسفي :
وهنا يناقش الشهيد الصدر ذلك المبرر في نظرية المعرفة من خلال الأتجاه التجريبي الذي يحمل طابعا فلسفيا هذا أذا تم ملاحظة ان هناك اتجاه في نظرية المعرفة يجنح الى أن التجربة والخبرة الحسية هي المصدر الأساس للمعرفة البشرية رافضاً ذلك الاتجاه أي تسليم بتلك المبادئ أو القضايا بصورة مستقلة عنها (أي التجربة). وهذا الأمر مصدر الإيمان التجريبي في نظرية المعرفة من هنا يرى محمد باقر الصدر فرقاً بين أهل التجربة الوضعية وبين المناطقة الوضعين وهذا الفرق إنما يتمثل في موقف الطرفين من تلكم القضية التي لا توجد كيفية معينة لاستخدام التجربة والخبرة الحسية بأعتبار أثبات صدق تلك القضية لذا يرى الشهيد الصدر مايلي :
1- ان تلكم القضية التي لا توجد كيفية معينة عند المناطقة الوضعيين هي قضية فارغة المعنى المنطقي
2- اما أهل التجربة والوضع : فعلى العكس من ذلك يرونها اي القضية ذات معنى من الناحية المنطقية فهم : لا يَرَوْن أي ارتباط بين معنى القضية وبين كيفية إثبات صدقها ، لكن هناك ثمة ملاحظة مهمة يذكرها الشهيد الصدر وهي ان التجريبيون الوضعيين يربطون درجة التصديق بتلك القضية بمدى قدرة التجربة على أثباتها ، لذا عندهم ان كل قضية لايمكن ان تصل اليها يد التجربة وتبرهن عليها لايمكن ان تقبل. على اعتبار ان التجربة والخبرة الحسية هي المصدر الأساس للمعرفة هذا في رأي المذهب التجريبي.
من هنا يُشكل محمد باقر الصدر على هذا المذهب التجريبي بأشكال جدُ لطيف وهي ان علاقة السببية بمفهومها العقلي توصف على أنها علاقة ضرورة فيما يسميه بين (أ) و(ب) والعلاقات الضرورية بين السبب ومسببه من القضايا التي تعجز الخبرات الحسية للوصول اليه على اعتبار ان جل ما يمكن ان تصل اليه الخبرة الحسية هي أدراك (أ) و (ب) على أنهما مقترنان ، اما علاقة الضرورة بينهما فلا تصل اليها تلك الخبرة الحسية.
من هنا يرى محمد باقر الصدر ان دافيد هيوم رفض تلك العلاقة السببية بوصفها علاقة ضرورة وأنما هي علاقة اقتران لا اقل من ذلك ولا اكثر او سمها علاقة الأطراد بين ظاهرتين وهو قال بهذا (أي دافيد هيوم ) وذلك أنسجاما مع توجهه التجريبي في نظرية المعرفة على مايؤسس له الشهيد الصدر هناك في الأسس المنطقية للأستقراء وبهذا يرى محمد باقر الصدر” قد ” أن تحولا للسببية قد بدأ في الفكر الفلسفي الحديث بناء على ذلك التفسير الذي يرى ان العلاقة بين ظاهرتين مبنية على أساس نكران
الضرورة والأيمان بأن العلاقة بينهما هي علاقة الاقتران والأطراد دونما أضافة من ذلك المذهب التجريبي لأي افتراض عقلي يُذكر.
وأمام تلك المحاكمة للمذهب التجريبي من قبل الشهيد الصدر نستطيع أن نفهم أنه ليس ممكناً رفض علاقة الضرورة بين السبب والمسبب على أساس التجربة في نظرية المعرفة على اعتبار ان ذلك المذهب لا يبرهن على نفي علاقة الضرورة هذه وإنما جل ما يفعله المذهب التجريبي هو ربط المعرفة بالخبرة الحسية والتجربة، من هنا يقول محمد باقر الصدر “قد” :
[ فما دمنا قد أوضحنا ان الشرط الأساس للمرحلة الاستنباطية من الدليل الاستقرائي هو ان يبدأ هذا الدليل من احتمال علاقة الضرورة بين (أ) و (ب) ، وليس من الضروري أن يبدأ من الأعتقاد بها والتأكيد المسبق لها ، فسوف يتاح للدليل الأستقرائي أن يحصل على شرطه في ظل المذهب التجريبي والعقلي على السواء] الأسس المنطقية للأستقراء ص 383.