منذ اكثر من شهر تحاول سلطات الاحتلال الصهيوني ان تسترجع ماء وجهها الذي سقط خلال عملية طوفان الاقصى التي نفذتها فصائل المقاومة الفلسطينية بالضد من الاحتلال ومن اجل استعادة اراضيها المسلوبة من الكيان الغاصب، وعلى اثر ذلك قامت الولايات المتحدة الامريكية بعد دعمها العسكري والمادي “لاسرائيل” بالحديث عن هدنة انسانية في فلسطين التي قطعت عنها كل الامدادات الانسانية من المياه والطعام والدواء، وشن غارات مكثفة استهدفت المدنيين في المدارس والمجمعات السكنية والمستشفيات.
ويقول خبراء إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ليست جادة في مسألة إقرار هدن إنسانية في قطاع غزة وإنها تحاول شراء الوقت لصالح “إسرائيل”، في حين يقول آخرون إن واشنطن تحاول إيجاد طريقة لإدخال المساعدات وإخراج مزيد المحتجزين وتنفيس حالة الغضب العالمية المتزايدة دون الإخلال بهدف القضاء على المقاومة الاسلامية الفلسطينية.
ففي حين طرحت الإدارة الأميركية مؤخرا فكرة إقرار هدن إنسانية لإدخال المساعدات العاجلة إلى غزة، عرض رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو تطبيق “فترات توقف تكتيكي”، في تأكيد جديد على عجز واشنطن في الضغط على تل أبيب حتى الآن، وفقا لمختصين بالشأن الدولي.
وأكدوا أن الحرب الحالية على غزة أفرزت مصطلحات جديدة لم تكن معروفة في القاموس السياسي، ومنها “فترات التوقف التكتيكي” التي يطرحها نتنياهو، والتي تعني وقف الحرب لساعات متفرقة وغير محددة سلفا.
واشار الخبراء الى ان ما تطرحه الولايات المتحدة “ليس إلا محاولة شراء مزيد من الوقت لكي تتمكن تل أبيب من مواصلة حربها على غزة من جهة ومواجهة الضغط الداخلي والخارجي عليها من جهة أخرى، كما أن واشنطن ومن خلال هذه الأطروحات تحاول التغطية على عجزها عن إقناع نتنياهو بوقف الحرب، بدليل أنه قصف مدارس ومستشفيات بينما كان بلينكن في تل أبيب، ما يعني أن إدارة بايدن لا زالت مختطفة من قبل اليمين “الإسرائيلي” المتطرف الذي يفعل ما يريد تحت غطاء سياسي وعسكري أميركي.
أهداف الهدن الإنسانية
وتعليقا على مسألة الهدن الإنسانية، قال مايكل مولروي مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق للشرق الأوسط، إن إدارة بايدن تحاول من خلال هذه الهدن إدخال المساعدات وإخراج مزيد من الأجانب والمحتجزين، لكنها في الوقت نفسه “لا تريد وقفا لإطلاق النار قبل القضاء على حماس، لأنه أمر لن تقبل به إسرائيل”.
ويرى مولروي أن ما تريده واشنطن هو تحقيق تناسب بين أهداف “إسرائيل” والطريقة التي يحاول بها تحقيق هذه الأهداف، بحيث تمنح فرصة لمزيد من المدنيين كي يغادروا الشمال إلى جنوب غزة طلبا للأمن والمساعدات المحتملة.
على العكس من ذلك، يرى تشارلز دان -الدبلوماسي الأميركي السابق في “إسرائيل” وكبير الباحثين في مركز دراسات الشرق الأوسط- أن الأمر أكثر تعقيدا من مجرد إدخال مساعدات أو إخراج محتجزين، وأنه يتعلق بالمصالح بعيدة المدى لكل طرف.
ويرى دان أن “إسرائيل” ليست معنية بمسألة الهدن أو وقف القتال، بينما الولايات المتحدة تشعر بقلق متزايد جراء تصاعد نبرة الرفض الشعبي الأميركي لما يحدث في غزة، إلى جانب ذلك، فإن الإدارة الأميركية -برأي دان- تحاول احتواء الغضب الحاصل داخل وزارة الخارجية بسبب موقف واشنطن من الحرب، وأيضا حالة الغضب العالمية المتزايدة ضد ما تقوم به “إسرائيل”.
على الرغم من ذلك، إن إدارة بايدن بوضعها الحالي لن تتمكن من فرض أي طرح على نتنياهو بدليل أنه بدأ عملية برية قبل ساعات من تنفيذ صفقة تبادل محتجزين مدنيين، وقصف سيارات إسعاف كانت تقل جرحى في طريقهم إلى معبر رفح بناء على اتفاق شاركت فيه الولايات المتحدة، ما يعني أنه يمارس استخفافا كبيرا بهذه الإدارة.
لكن الأمر ليس على هذا النحو -من وجهة نظر مولروي- لأن التأييد الدولي “لإسرائيل” بدأ يتراجع بعد استشهاد أكثر من 10 آلاف مدني في غزة، فضلا عن أن الولايات المتحدة لا ترغب في إطالة أمد الحرب رغم صعوبة تحقيق الهدف.
بناء على ذلك، فإن وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومدير المخابرات المركزية ويليام بيرنز”، يناقشان مع “إسرائيل” ودول المنطقة حاليا مسألة ما بعد انتهاء الحرب، برأي مولروي، الذي أكد أن الأمر لن يتم بسرعة.
متى توقف واشنطن القتال؟
ومن هذا المنطلق، فإن مولروي يعتقد أن الفترة المقبلة ستشهد مواجهات أعنف على الأرض، وربما تمد الولايات المتحدة “إسرائيل” بقنابل قادرة على الوصول لأعماق كبيرة من أجل ضرب حماس، من وجهة نظره.
وثمة خلاف آخر بشأن طبيعة الهدن التي تريدها واشنطن وتلك التي يطرحها نتنياهو، لأن واشنطن -كما يقول دان- تريد هدنا فعلية توفر إدخال مساعدات وبالتالي عليها مراقبة ما يقوم به نتنياهو، مضيفا “على الولايات المتحدة أن تفكر بمصالحها وأن تضع شروطا وفق مصالحها وليس وفق ما يريده نتنياهو”.
لذلك، يعتقد دان أن بعض الأمور قد تدفع الولايات المتحدة لتغيير موقفها من إسرائيل ومن ذلك حدوث تغيير كبير في القتال على نحو يحدث كارثة كبرى، مضيفا “مثل هذا التطور قد يدفع واشنطن لوقف القتال واللجوء للدبلوماسية، لكننا لم نقترب من هذه النقطة حتى الآن”.