• الخميس: 21/11/2024

تقرير: حراك شعبي بالعراق ينذر بتوسع الاحتجاجات على الفساد

تقرير: حراك شعبي بالعراق ينذر بتوسع الاحتجاجات على الفساد

صعّد المحتجون حراكهم المستمر منذ الأسبوع الماضي، احتجاجا على سوء الخدمات وغياب فرص العمل والتوظيف، خاصة في محافظتي ذي قار والمثنى، حيث تعتبر الأخيرة الأكثر فقرا حسب بيانات حكومية.
ومن المتوقع أن يمتد الحراك لباقي محافظات الجنوب والوسط ما لم تتم تلبية مطالب المحتجين. كما شهدت مدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار الليلة الماضية، تظاهرة حاشدة نظمها عدد من الخريجين المحتجين على أوضاعهم المعيشية والبطالة العالية في صفوفهم.
وحاول المحتجون، أمس الاثنين، اقتحام مبنى ديوان المحافظة، ووصلوا إلى الباحة الخارجية له، مما أدى إلى إلحاق أضرار مادية جسيمة في المركبات الحكومية الموجودة في الموقع، فضلا عن إصابة اثنين من المحتجين.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2019، شهد العراق احتجاجات عارمة سُميت بـ”ثورة تشرين” وخلفت مئات القتلى وآلاف المصابين من المحتجين، انطلقت شرارتها في المحافظات الوسطى والجنوبية وشكلت محافظة ذي قار أيضا أبرز معاقل الحراك الشعبي في جنوب البلاد آنذاك.
يقول الإعلامي والناشط في تظاهرات ذي قار التي انطلقت الأسبوع الماضي حسين العامل إن مطالب الحراك الشعبي هي مطالب تظاهرات “تشرين” نفسها، المتمثلة في الإصلاح السياسي والاقتصادي، ووقف المحاصصة، وإلغاء مجالس المحافظات، ومحاربة الفساد، وتوفير فرص عمل للعاطلين من الخريجين، واستعادة سيادة الدولة وهيبتها.
ومن أهداف الحراك الشعبي أيضا “عدم جعل العراق حديقة خلفية لدول الجوار أو ساحة لتصفية حساب الدول المتصارعة”، فضلا عن الاهتمام بالصناعة الوطنية والقطاع الزراعي والإنتاج الوطني، حسب الناشط العراقي.
ويشير العامل -في حديث للجزيرة نت- إلى أن هذه المطالب جميعها من مطالب تظاهرات “تشرين 2019″، وزاد عليها مطلب الكشف عن قتلة 800 متظاهر وقمع المتظاهرين حينها، وإنهاء فوضى السلاح، وإعادة تشكيل مفوضية الانتخابات على أن تكون من شخصيات مستقلة فعلا وشكلا.
ويقول العامل إن توسع واستمرار التظاهرات مرهون بعوامل انطلاقها، وحرص المواطنين على المشاركة في تحقيق مطالبهم المشروعة، مؤكدا أنه “يمكن قياس حجم الرفض الشعبي للسياسة غير الرشيدة من خلال حجم التأييد الذي لاقته دعوة السيد حميد الياسري في السماوة” وهي مركز محافظة المثنى، التي عدتها وزارة التخطيط أفقر محافظات البلاد.
ففي السماوة، دعا رجل الدين الشيعي حميد الياسري إلى اعتصام وتعيين حاكم عسكري للتحقيق في شبهات فساد وغياب المشاريع الحيوية منذ عام 2003 وحتى الآن، قبل أن يلتقي رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في بغداد، ويعرض عليه المطالب، في حين يحاول الأخير احتواء الموقف وتحقيق المطالب.
وقال الياسري، وهو أيضا قيادي في لواء أنصار المرجعية (أحد تشكيلات الحشد الشعبي المدعومة من المرجع الديني علي السيستاني) في حديث مقتضب مع الجزيرة نت، إن الحراك متوقف حاليا ومرهون بتنفيذ الحكومة لجميع المطالب، مشيرا إلى أن مطلب تعيين حاكم عسكري بدل المحافظ لا يزال قائما.
وكان الياسري قد كشف، في بيان، عن مخرجات اللقاء الذي جمعه الأحد ونخبة من شخصيات محافظة المثنى مع السوداني. وحسب البيان، فقد تقرر تشكيل لجنة من مكتب رئيس الوزراء للإشراف على كل مشاريع السماوة وعدم السماح للمحافظ وأعضاء مجلس المحافظة بالتصرف بالأموال، بينما سيتمكن ممثلو المظاهرات من الإشراف على كل مشاريع المحافظة كجهة مساندة ومراقبة للدولة.

كما سيتم تشكيل لجنة برئاسة مسؤول هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية لكشف ملفات الفساد وهدر المال العام في السماوة منذ 2003 حتى اليوم.
وأوضح البيان أنه تم تقديم طلب إلى مجموعة من النواب -يتقدمهم سعد عواد التوبي ممثل محافظة المثنى- بسحب الثقة من المحافظ ومجلس المحافظة “بسبب مخالفات ارتكبوها مع شركات مقاولين”.
وأوعز رئيس الوزراء بتقديم مبلغ 37 مليار دينار عراقي تسلم إلى لجنة مهندسين مهمتها إقامة مشاريع خدمية تقدمها لجنة المظاهرات الشعبية، ولا يسمح للمحافظ ومجلس محافظة بالتدخل فيها.
كما تضمنت مقررات اللقاء غلق كل “المكاتب الاقتصادية” وإخبار جهاز الأمن الوطني والاستخبارات عن وجود أي مكتب في السماوة، في إشارة إلى المكاتب المسؤولة عن النشاطات التجارية للأحزاب المتهمة من قبل المتظاهرين بالانخراط في عمليات فساد ورشوة وابتزاز.
وطالبت نخب المثنى -حسب الياسري- السوداني بأن تشمل هذه اللجان كل المحافظات المحرومة وعدم السماح للمحافظين ومجالس المحافظات بالتصرف بالأموال.
وتابع الياسري “بما أننا نمثل الجماهير والشعب المحروم، ننتظر قراركم: هل نؤجل المظاهرات وإعطاء فرصة لما بعد العيد، أم نستمر في سحق رؤوس الأحزاب العفنة ومن يقف خلفها من حيتان الفساد؟”.
وتوقع المحلل السياسي غازي فيصل أن تمتد الاحتجاجات والحراك من ذي قار والسماوة لتشمل جميع مناطق الجنوب والوسط، مشيرا إلى أن المرجعية الدينية في النجف سبق وأيدت “حراك تشرين” في 2019، وحراك اليوم أشبه بالبارحة، ما دام هناك فساد مستشر وسوء خدمات وبطالة.
ويقول فيصل للجزيرة نت إن المرجعية وقفت ضد استخدام العنف المسلح بحق الشباب المحتجين، وعارضت طبقة الفساد المالي والسياسي، متوقعا أن تمتد احتجاجات ذي قار إلى المحافظات الأخرى ضد الطبقة الحاكمة وانتشار “المكاتب الاقتصادية” للأحزاب النافذة التي تتسبب في بقاء طبقات الشعب فقيرة معدمة تعاني انعدام العدالة والتوزيع العادل للثروة حيث ترتفع معدلات الفقر، خاصة أن محافظة المثنى وصلت فيها نسبة الفقر إلى 50%، وفقا للتقديرات الرسمية.
من جهته، عبّر عضو مجلس محافظة ذي قار، سلام جبار الفياض، عن رفضه لأي قمع للمتظاهرين طالما أن المظاهرات سارت في إطارها السلمي، مشيرا إلى أن المجلس إلى جانب حقوق المتظاهرين.
ويقول الفياض للجزيرة نت إنهم يعملون على فتح تحقيق ومحاسبة المقصرين في كل ما حدث، مطالبا المتظاهرين بأن يكونوا على قدر المسؤولية تجاه ما يحصل لمحافظة ذي قار المنكوبة في كل شيء.
من جهته، توقع الناشط المدني ورئيس “منظمة فعل” (غير حكومية) في محافظة بابل وسط العراق عبد الحسن الخفاجي أن يمتد الحراك إلى محافظات الوسط، مبينا أنه في حال استمرار الحراك الشعبي في الجنوب، فإن بابل لن تكون بمعزل عنه.
وقال الخفاجي للجزيرة نت إن بابل -مثل المحافظات الأخرى- تفتقر إلى أبسط الخدمات وتعاني سوء الإدارة وانتشار الفساد وانعدام البنى التحتية.
ومساء الاثنين، تظاهر المئات في مدينة الديوانية جنوبي العراق، احتجاجا على ضعف تغذية التيار الكهربائي بعدما قاموا بقطع أحد الشوارع بإطارات السيارات.
وفي النجف المحاذية للديوانية، أفاد شهود عيان بخروج مظاهرة كبيرة (وسط المدينة) بسبب سوء التيار الكهربائي وتجهيزاته في مناطق المحافظة.
وبحسب أحمد الكرعاوي، أحد شهود العيان الذين تحدثوا للجزيرة نت، فإن العشرات من المحتجين بمنطقة حي الشرطة وسط المحافظة تظاهروا مساء الاثنين، بحرق الإطارات في الشوارع، احتجاجا على سوء تجهيز التيار الكهربائي في منطقتهم ومناطق المحافظة الأخرى.
وفي العاصمة بغداد، تظاهر مواطنون احتجاجا على الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي. وقال محمد ياسين، وهو أحد المتظاهرين، للجزيرة نت، إن العشرات من أهالي منطقة “العبيدي” شرقي العاصمة تظاهروا الليلة الماضية أمام دائرة الكهرباء احتجاجا على انقطاع التيار لأكثر من شهر دون إصلاح خطوط النقل ومحولاتها، مشيرا إلى أن الأهالي في نيتهم الاعتصام حتى تغيير المسؤولين عن الكهرباء في المنطقة.